responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 1  صفحة : 691
وَتَبْيِينُ الْآيَاتِ هُوَ مَا جَاءَ مِنَ الْقُرْآنِ الْمُعْجِزِ لِلْبَشَرِ الَّذِي تَحَدَّى بِهِ جَمِيعَهُمْ فَلَمْ يَسْتَطِيعُوا الْإِتْيَانَ بِمِثْلِهِ كَمَا تَقَدَّمَ،
وَفِي الْحَدِيثِ: «مَا مِنَ الْأَنْبِيَاءِ نَبِيءٌ إِلَّا أُوتِيَ مِنَ الْآيَاتِ مَا مِثْلُهُ آمَنَ عَلَيْهِ الْبَشَرُ وَإِنَّمَا كَانَ الَّذِي أُوتِيتُ وَحْيًا أَوْحَى اللَّهُ إِلَيَّ فَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَكْثَرَهُمْ تَابِعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ»
فَالْمَعْنَى قَدْ بَيَّنَّا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ مِنْ شَأْنِهِمْ أَنْ يُوقِنُوا وَلَا يُشَكِّكُوا أَنْفُسَهُمْ أَوْ يُعْرِضُوا حَتَّى يَحُولَ ذَلِكَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْإِيقَانِ أَوْ يَكُونَ الْمَعْنَى قَدْ بَيَّنَّا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يُظْهِرُونَ الْيَقِينَ وَيَعْتَرِفُونَ بِالْحَقِّ لَا لِقَوْمٍ مِثْلِكُمْ من المكابرين.
[119]

[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 119]
إِنَّا أَرْسَلْناكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلا تُسْئَلُ عَنْ أَصْحابِ الْجَحِيمِ (119)
جُمْلَةٌ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ حِكَايَاتِ أَحْوَالِ الْمُشْرِكِينَ وَأَهْلِ الْكِتَابِ، الْقَصْدُ مِنْهَا تَأْنِيسُ الرَّسُولِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مِنْ أَسَفِهِ عَلَى مَا لَقِيَهُ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِمَّا يُمَاثِلُ مَا لَقِيَهُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَقَدْ كَانَ يَوَدُّ أَنْ يُؤْمِنَ بِهِ أَهْلُ الْكِتَابِ فَيَتَأَيَّدُ بِهِمُ الْإِسْلَامُ عَلَى الْمُشْرِكِينَ فَإِذَا هُوَ يَلْقَى مِنْهُمْ مَا لَقِيَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ أَوْ أَشَدَّ وَقَدْ
قَالَ «لَوْ آمَنَ بِي عَشَرَةٌ مِنَ الْيَهُودِ لَآمَنَ بِي الْيَهُودُ كُلُّهُمْ»
فَكَانَ لِتَذْكِيرِ اللَّهِ إِيَّاهُ بِأَنَّهُ أَرْسَلَهُ تَهْدِئَةً لِخَاطِرِهِ الشَّرِيفِ وَعَذَرَ لَهُ إِذْ أَبْلَغَ الرِّسَالَةَ وَتَطْمِينٌ لِنَفْسِهِ بِأَنَّهُ غير مسؤول عَنْ قَوْمٍ رَضُوا لِأَنْفُسِهِمْ بِالْجَحِيمِ. وَفِيهِ تَمْهِيدٌ لِلتَّأْيِيسِ مِنْ إِيمَانِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى.
وَجِيءَ بِالتَّأْكِيدِ وَإِن كَانَ النَّبِي لَا يَتَرَدَّدُ فِي ذَلِكَ لِمَزِيدِ الِاهْتِمَامِ بِهَذَا الْخَبَرِ وَبَيَانِ أَنَّهُ يُنَوِّهُ بِهِ لِمَا تَضَمَّنَهُ مِنْ تَنْوِيهِ شَأْنِ الرَّسُولِ.
وَجِيءَ بِالْمُسْنَدِ إِلَيْهِ ضَمِيرُ الْجَلَالَةِ تَشْرِيفًا لِلنَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعِزِّ الْحُضُورِ لِمَقَامِ التَّكَلُّمِ مَعَ الْخَالِقِ تَعَالَى وَتَقَدَّسَ كَأَنَّ اللَّهَ يُشَافِهُهُ بِهَذَا الْكَلَامِ بِدُونِ وَاسِطَةٍ فَلِذَا لَمْ يَقُلْ لَهُ إِنَّ اللَّهَ أَرْسَلَكَ.
وَقَوْلُهُ: بِالْحَقِّ مُتَعَلق بأرسلناك. وَالْحَقُّ هُوَ الْهُدَى وَالْإِسْلَامُ وَالْقُرْآنُ وَغَيْرُ ذَلِكَ من وُجُوه الْحق المعجزات وَهِيَ كُلُّهَا مُلَابَسَةٌ لِلنَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رِسَالَتِهِ بَعْضُهَا بِمُلَابَسَةِ التَّبْلِيغِ وَبَعْضُهَا بِمُلَابَسَةِ التَّأْيِيدِ. فَالْمَعْنَى أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ وَأَنَّ الْقُرْآنَ حَقٌّ مُنَزَّلٌ مِنَ اللَّهِ.
وَقَوْلُهُ: بَشِيراً وَنَذِيراً حَالَانِ وَهُمَا بِزِنَةٍ فَعِيلٍ بِمَعْنَى فَاعِلٍ مَأْخُوذَانِ مِنْ بَشَّرَ الْمُضَاعَفِ وَأَنْذَرَ الْمَزِيدِ فَمَجِيئُهُمَا مِنَ الرُّبَاعِيِّ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ كَالْقَوْلِ فِي بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ [الْبَقَرَة: 117] الْمُتَقَدِّمِ آنِفًا، وَقِيلَ: الْبَشِيرُ مُشْتَقٌّ مِنْ بَشَرَ الْمُخَفَّفِ الشِّينِ مِنْ بَابِ نَصَرَ وَلَا دَاعِيَ إِلَيْهِ.

اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 1  صفحة : 691
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست